الحرب في الشمال الفلسطيني… ديبلوماسية الاستنزاف أم استنزاف للديبلوماسية؟

للكاتب محمد الحسيني

منذ ما يقارب المئة يوم ويزيد على بدء تقويم “طوفان الأقصى” والمقاومة الإسلامية في لبنان تخوض حرباً لم تألفها من قبل هي أقرب ما تكون إلى “حرب إستنزاف” غير محسومة ضد جيش الإحتلال الإسرائيلي قد تمتد لفترة أطول من دون آفاق واضحة للنتائج. لكن على الرغم من ذلك استطاعت المقاومة رصد قدراته واستنزاف مقدراته بتكبيده خسائر مادية كبيرة وتدميرِ معنويات جنوده بجرهم إلى دائرةٍ محدودة من المواجهات المتقطعة، وهي التي اختبرت العدو عن كثب في “حرب تموز 2006″، حين بدأ تدريجياً يفقد عناصر قوته، وتحديداً يوم تجاوز بجيشه الحدود اللبنانية في 25 يوليو 2006 لتلتحم معه المقاومة الإسلامية في قتال متقارب.

فاصل

 ان  مرحلة إعادة التنظيم والتموضع: امتدّت منذ 14 اغسطس 2006 حتى 4 سبتمبر 2014، بادرت خلالها الوحدات الجهادية، العسكرية والأمنية في المقاومة الإسلامية فورانتهاء الحرب إلى حصد كل ما توفر من معلومات أمنية عن جيش الإحتلال وعن أساليب مناوراته خلال العدوان، ومقاربتها مع الإجراءات التكتيكية للمقاومة من خلال محاكاة جديدة لمسرح العمليات، أبرزت من خلالها نقاط القوة والضعف لكلا الطرفين مستخلصين الدروس والعبر، فكان القرار الإستراتيجي بالعمل على “تطوير ترسانتها ورفع قدراتها القتاليّة في مواجهة العدو.

فقد تمكنت المقاومة اللبنانية من كثيف الاستعلام الإستراتيجي والتكتكي عبر تطوير الوسائل الخاصة لذلك لا سيما المسيرات. وتوسيع ترسانة الصواريخ أرض- أرض كماً ونوعاً من حيث الدقة والمدى حتى تجاوز عددها ال 150 الف صاروخ تعتمد في إطلاقهم على إستراتيجية “أمطار من الصواريخ”. وتطويرسلاح المضاد للدروع م/د جيل جديد، فكان الكورنيت “ب” وغيره. والتنوع في تطوير القدرات الدفاعية الجوية وحاجة الميدان، لإرغام العدو في مرحلة أولى على جعل طائراته ومروحياته تحلق على ارتفاعات عالية. وتفعيل دور الصواريخ المضادة للبوارج.

 وأضف إلى خبرات المقاومة  في مواجهة العدو فقد عزز مشاركتها في حرب سوريا عام 2011 من رفع مستوى التسلح وتقنيات القتال. حتى أصبحت “الحزب” الأكثر خبرة وتنظيماً وتسليحاً، لا بل “أضخم قوات غير نظامية مسلحة في العالم”.حيث اجهت فيها المقاومة الإسلامية خروقات العدو لهذه القواعد سواء حصلت في لبنان أو في سوريا، بدأ أول خرق في 5 سبتمبر بإقدام العدو على تفجير جهاز تجسسي في جنوب لبنان أدى إلى إستشهاد مجاهدين، ردت المقاومة بتفجير عبوة ناسفة في دورية للإحتلال في مزارع شبعا.

فهذا مفهوم استراتيجي يُنظر إليه على أنه حوار بالنار بين طرفين يهدف إلى إضعاف أحدهم للآخر وصولاً لقبول حل ديبلوماسي، أو الإستمرار حتى الإنهيار العسكري عن طريق إحداث الخسائر البشرية أو المادية، وطرق الإستنزاف تتم عادة بعد أن يتضح الأمر بأن المسارات العسكرية الأخرى تؤدي للفشل أو أنها غير ممكنة عملياً. يتحدث الخبراء عنها كأمر يجب تفاديه لأنها عادة ما تكون طويلة. حيث  تهدف هذه المرحلة في منظور المقاومة إلى أمرين: سياسي: كما أعلنه السيد حسن نصرالله دعماً للقضية الفلسطينية وإسناداً لمقاومته، وإفساحاً في المجال أمام الحكومة اللبنانية للنشاط دبلوماسياً على محور إنسحاب العدو من مزارع شبعا والنقاط المتنازع عليها على الخط الأزرق.وعسكري: تقييد تحركات العدو على حدوده الشمالية لإرهاقه وإحداث أكبر خسائر فيها بغية منعه من سحب أي من قواته لدعم جبهته في “قطاع غزة.

لكن بالرغم من ذلك نجحت المقاومة في تثبيت قوات العدو، لا بل إضطر لإرسال تعزيزات من الداخل الفلسطيني إلى جبهته الشمالية بعد تنفيذها لأكثر من 2000 عملية .وان تغيير الاحتلال تكتيكاته حيث أجرى مناورة إخلاء لمواقعه ناشراً جنوده إما حول الموقع بشكل تمويهي أو داخل البيوت ضمن المستوطنات، فلاحقتهم المقاومة الإسلامية إلى هناك، وليس آخرها قنصها الضابط باراك آيلون من لواء حيرام  في مستوطنة كفريوفال.  أما في حرب المسيرات فقد استطاعت المقاومة في الآونة الأخيرة من إعماء مسيرات العدو بنسبة كبيرة بعد ان أسقطت له اكثر من 30 مسيرة مما سيلزم العدو على إجراء تغييرات في نمطية عمله. هذا وبات احتمال توسيع العدو لمسرح العمليات الى ما بعد نهر الليطاني أكثر جدية وبشكل مكثف اكبر من ذي قبل.

مقالات ذات صلة