الزورق اليمني

للكاتب علي الزعتري

هذه  مقارنةٌ ترسلنا لزوايا الشك قبل اليقين.  كيف لزورقٍ يمنيٍّ نحيلٍ أن يتحدى مدمراتٍ و بواخر شحنٍ بل وحاملةَ طائراتٍ مثل “آيزنهاور” فخر البحار الأمريكية؟ في تاريخِ صناعةِ حاملات الطائرات لم يجرؤ عسكريٌّ أن يترصد حاملة طائرات إلا عندما هاجمت اليابان أسطول ميناء اللؤلؤ نهاية ديسمبر عام ١٩٤١.  فأن يقول اليمن الصغير الضعيف أنه يطارد و يهاجم حاملة الطائرات هذه وبديلتها ومدمرات و سيواصل الهجوم فهذا هو العجب والإعجاب. فهل هذا الهجوم اليمني الجريئ هو من قبيل “طَفْحِ الكيل” و “عليَّ وعلى أعدائي ومن بعديَّ الطوفان”؟ أم حساباً دقيقاً لمعركةٍ ينغزُ فيها الطرفُ الأضعف الطرفَ الأعتىٰ عارفاً أن العاتي لن يقوم بأكثر من القصف الجوي ولن يجرؤ على غزو اليمن لأنها كأفغانستان تدفن الغزاة ولو بعد حين؟

 و بمقولةٍ بديلة، هل يُعَوِّلُ اليمن على تفهمِّ و سعةِ صدور أمريكا وبريطانيا ومن التفّ معهما ضد هذا اليمن أن تقتصر ردات الفعل على العقاب المحسوب لا الغزو؟ أم أنه حسابٌ ملتزمٌ بالمقاومة عالماً بما يجعل باب المندب أضيق مما هو عليه للأعداء صهيونيِّ القلب والقالب ويمهد ليمنٍ عُظمى؟ وهل الدول المحيطة بباب المندب والمطلة على البحر الأحمر راضيةٌ عن حرب اليمن هذه أم هي غير راغبةٍ وقف صنعاء بالإقناع أو الإكراه أم أنها حاولت وفشلت أو أنها تساند اليمن ولا تُفصِحْ؟ أم هل هي إيران تحارب الغرب باليمنيين أنصارَ الله وتزودهم بالمعلومات والتقنية العسكرية؟ وماذا لو قلنا أن اليمنيين بقيادة الحوثيين فعلاً وقولاً و إصراراً يؤسّسون دولةً قويةً بعكس رغبة حكومات الجوار و الاستعمار القديم و حكومات اليمن الأُخرى؟

ففي اليمنِ لا شك إعجازٌ متميزٌ في العناد. وإنهم لا يتراجعون.و تأتي أسلحتهم وذخيرتهم متجددةً مبتكرةً. ويتظاهرون كل جمعة بالملايين بعد كلمةِ الخميس لقائد ثورتهم فيه تحليلٌ وجردةُ حساب وتحريضٌ ووعدٌ ووعيدٌ. يرفعون نبرتهم ويتحدون، بل أن لناطقهم العسكري أسلوباً بات تقليدهُ هوايةَ البعض، من الأجانبِ ! لو قلنا أنه تَحَدٍّ أجوف لظلمناهم لأنه التحدي الذي يرافقه الفعل. ولو قلنا أنهم مخالب إيرانية لظلمناهم كذلك لإن إيران تريد مواجهةً تسيطر على حذافيرها بحيث لا ترتد عليها والذي يبدو أن قرار اليمن سيد نفسه، فإن مهاجمة “آيزنهاور” لو كان وراءه إيران لهوجمت في موجع.  ولو قلنا أنهم في اليمن صادقون في معركتهم لأنصفناهم فهم حددوا المطلب والهدف منذ بدأوا ويستمرون في مسارهم.

فمن العربي الذي جَرُءَ على قصف حيفا و أم الرشراش؟ هم.  وقد لا تكون صواريخهم ومُسَيَّراتهم فاعلةً تماماً لكنهم يحاولون ومع الممارسة سيستطيعون إيقاع الأذى المطلوب على عدوهم. لكن إيجابيةَ اليمن الذي يحكمه عبدالملك الحوثي تتسلل فيها سلبياتٌ لا يمكن إخفاءها. لها دواعٍ مَرضية قد تكون من موروث الماضي لكنها خطيرةٌ في أي كيانٍ سياسي وفي أي زمان.  إنهُ حكمٌ ثيوقراطيٌّ يملك سلطةً واسعةً لا يحكمها استئنافٌ. إنه يمنٌ صائبٌ في مقاومتهِ لكنهُ ثالبٌ في جوهرهِ و ممارساتهِ وهو ما يجعل استقرارهُ مبنياً علي خلق العدو لإبقاء الشعب مُهيئاً متحسباً و لإبقاء قبضةِ السلطة على الداخل شديدةً بإسم حماية الثورة والدين.

واليمن  في هذا لا يختلف حقَّاً عن كياناتٍ في منطقتنا وخارجها وإن اختلف مظهر البلاد وأسلوب الحكم.  وما يميزهُ و يجعل الناس المحبة للمقاومة تتغاضى عن مثالبهِ هو أنه يتحدي الاستعمار بالفعلِ الصاروخي أما ما سواه مما نراه فيه من مقومات كيان فيجب التفكير مليِّاً فيها لأنها ليست قوام دولة.  ولا هو قوام دولة ما يحكم اليمن في عدن أو غيرها.  والمعضلة هو أن الحل عند اليمني لإشكالية الدولة صِفريةَ الناتج.  ولتوحيد اليمن يطالب كل طرف بإفراغِ الطرف الآخر من مكوناته الرئيسية وهو ما لا يتحقق. و لن يكون هناك رابحٌ وخاسرٌ يمني.

مقالات ذات صلة